مسلمو فرنسا يلتقون حول "الأسرة"

"الأسرة" كانت محور الملتقى السنوي الخامس والعشرين لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والذي يُعَدُّ أكبر تجمع إسلامي في الغرب، في محاولة لمعالجة التحديات التي تقابلها الأسرة المسلمة في المجتمع الغربي.
واختار الملتقى، الذي شارك فيه آلاف المسلمين الذين يعيشون بالغرب، شعار (الأسرة.. حقائق وتحديات) عنوانا له هذا العام؛ "لتحصين الجبهة الداخلية للأقليات المسلمة بالغرب" حسبما صرح التهامي إبريز، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا.
وأكد إبريز "أن تطرق اتحاد المنظمات الإسلامية لملف الأسرة يعني بداية مرحلة جديدة لمسلمي فرنسا بشكل خاص، ومسلمي أوروبا بصفة عامة، وهو الأمر الذي يعني أننا وصلنا لمرحلة تاريخية في الوجود الإسلامي.
وبرر رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا كلامه قائلا:" أصبحنا اليوم نرى الجيل الثاني والثالث من أبناء المسلمين بدءوا يُكَوِّنُون أُسَرًا، وينجبون أبناء، لكن حينما يغيب مفهوم الأسرة في المجتمعات الأوروبية، فإن من واجبنا أن نقدم نموذجا لتماسك الأسرة من خلال ديننا وتقاليدنا".
وشهد الملتقى نقاشات مستديرة، ومداخلات لعلماء مسلمين حول موضوع الأسرة و"الأزمة" التي تشهدها، والإجابات "المنسجمة مع الحداثة" التي ينتظر الغرب تقديم الإسلام لها.
وتحظى مسألة الأسرة والعناية بها بين المسلمين في الغرب باهتمام كبير، بعدما عانى الجيل الأول أعباء الحياة بعيدًا عن العائلة والأهل، وما نجم عن ذلك من مضاعفات على الصعيدين النفسي والاجتماعي.
واستمرت معاناة الجيل الأول، حتى صدَرَ قانون "التجمع العائلي" الذي يبيح لأفراد عائلات المهاجرين الانضمامَ إليهم، وكان ذلك نتيجةَ مُطَالَبَاتِ منظماتٍ إنسانية ونقابية احتجاجًا على الوضع المأساوي الذي يعيشه هؤلاء المهاجرون.
وتزامن ذلك مع صعود اليمين ذي النـزعة العنصرية، والذي اتخذ المهاجرين هدفًا لحملاته الإعلامية والسياسية، واعتمد خطابًا استفزازيا إقصائيًّا للأجانب، ولا سيما العرب المسلمون.
في مثل هذه الظروف نشأ الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين، ولئن كانت إمكانية اندماجهم في المجتمع الغربي أكبر من آبائهم، إلا أنهم ورثوا بدورهم المعاناة التي عاشها آباؤهم، وتملَّكَهُم شعورٌ بأنهم مواطنون من درجةٍ ثانيةٍ، نتيجةَ تشويهِ صورة المسلمين عن عمد في الإعلام الغربي.
ومما ساهم في تعقيد هذه المشاكل، تبني الحكومات الفرنسية المتعاقبة إجراءاتٍ تمييزيةً ضد المواطنين المسلمين، ولا سيما فيما يتعلق بمسألة الحجاب.
ويُحْيِي اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا هذا العام الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسه، ويؤكد أنه يعطي الحوارَ والسُّبُلَ القانونية أولوية في معالجة قضايا المسلمين في الغرب.
وقد اختتم الملتقى، الذي جمع العام الماضي 120 ألف شخص، أعمالَه يوم الأحد الماضي في "بورجيه" شمالَ باريس.
ويحاول المسلمون في فرنسا تحقيقَ المعادلة الصعبة، والتوفيقَ بين تَمَسُّكِهم بهويتهم ومبادئهم، وبين اندماجهم في مجتمعهم الجديد الذي يعاني من تشويهٍ مُتَعَمَّدٍ لصورة الإسلام والمسلمين، وبين هذا وذاك، حاول المسلمون أنْ يُزِيلوا تلك الصورةَ المشبوهةَ عنهم، وإبرازَ معالم هويتهم الحضارية والثقافية.
يُشار إلى أنه يوجد في فرنسا خمسة ملايين مسلم، منهم ثلاثة ملايين ينتمون إلى جنسيات عربية مختلفة، كما يبلغ عدد المساجد الفرنسية حوالي ألف مسجد، يستوعب الواحد منها قرابة 40 مُصَلِّيًا، غير أن هناك ثمانية مساجد يستوعب كل واحد منها أكثر من ألف مسلم.